روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الصوم.. جُنَّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الصوم.. جُنَّة


  الصوم.. جُنَّة
     عدد مرات المشاهدة: 2377        عدد مرات الإرسال: 0

تسافر سنوياً من الولايات المتحدة قاطعة المحيط الأطلسي في اتجاه أوروبا وبالتحديد إلى ألمانيا، إنها سيدة أمريكية تذهب إلى هناك لممارسة سياحة من نوع مختلف إنها سياحة الصيام.

في كل عام تذهب إلى هناك لقضاء شهر ونصف، حيث إنها مشتركة في برنامج للصيام وقد يستغرب القارئ كما استغربت أنا، نعم إنه برنامج تنفذه إحدى الشركات للصيام بهدف التخفيف من الوزن، وتحسين الصحة للمشتركين في البرنامج، ويقوم على أساس تجنب الأطعمة بكاملها، والاعتماد فقط على نوع معين من العصير والإكثار من شرب الماء.
 
استمعت للمرأة الأمريكية على إحدى القنوات الفضائية وهي تصف خبرتها، ومشاعرها نحو هذا البرنامج، والتغيرات الإيجابية التي حدثت لها نفسياً، وبدنياً، وكيف أن الصيام يساعد على التخلص من السموم المختزنة في الجسم مستشهدةً بالرائحة الكريهة التي تظهر مع نفس الفرد الصائم.

هذا البرنامج يكلف المشترك فيه ثمانية آلاف يورو أي ما يعادل 40 ألف ريال، نعم 40 ألف ريال تدفع لكي يصوم الإنسان. توقفت عند هذا الخبر وتأملت وتساءلت هل مثل هذه الفكرة جديدة وإبداعية، الجواب كلا إنها ليست كذلك.

فالأديان السماوية كلها فرضت الصيام، ولكن بصور مختلفة، فالمسيحيون يصومون 40 يوماً بالامتناع عن أطعمة المنتجات الحيوانية كاللحوم، والألبان، والأجبان، والبيض وغيرها. لكنهم يأكلون الخضار، والفواكه ويشربون الماء والعصائر.
 
ديننا الإسلامي الحنيف يمنعنا عن الأكل، والشرب خلال ساعات النهار بغض النظر عن الوقت الذي يجيء فيه رمضان في الصيف، أو الشتاء، وما من شك أن الحكمة الإلهية فرضت الصيام علينا نحن المسلمين في المقام الأول للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى (الصوم لي وأنا أجزي به).

وكما ورد في الحديث أيضاً (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، لكن هذا لا يمنع من تحقيق المكاسب الأخرى بجانب الأجر، والثواب من الله فالمكاسب الصحية التي تحدثت عنها السيدة الأمريكية تتحقق كما المكاسب النفسية، والاجتماعية التي تجعل الفرد يحس بإخوانه المسلمين ويعطف عليهم.
 
لست هنا بمعرض الحديث عن الصوم وفوائده لكني بصدد التنبيه إلى أمر مهم، ألا وهو طريقة تفكير الإنسان، واقتصار التفكير على الجانب المادي من الممارسة حيث البرنامج وضع في الأساس للتخلص من السمنة وتحقيق مكاسب صحية أخرى ربما تكون مرتبطة بالضغط، والسكري وغيرها.

الأديان السماوية، وبالأخص الإسلام، جعلت مناط التكليف في الصيام العبادة في المقام الأول (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، لكن هذا لا يمنع من تحقق المكاسب الصحية والنفسية والاجتماعية من الصيام في الوقت نفسه، وهنا يكون الفرق بين فردين يمارسان عبادة الصيام أحدهما يدخل في الصيام بنية العبادة في المقام الأول، والأساس بينما الفرد الآخر يمارس الصيام بهدف صحي فقط.

الأول حقق – بإذن الله – مكاسب أخروية ودنيوية، والآخر اقتصرت فوائد صيامه على الجانب الصحي فقط. صيام لا يكلف شيئاً، ولا يوجد أي رسوم، أو اشتراكات مادية كما هو في برنامج السيدة الأمريكية التي تقطع المسافة من أجله، بل إن الصيام في الإسلام يوفر على الفرد الكثير لو تجنب خلاله الإسراف في الموائد.

هذه هي عظمة الدين التي تجعل من الفرد يقوم بنشاط فيه تزكية، وتهذيب للنفس وتقرب لله لتحقيق الأجر، والمثوبة مع ما يصاحب ذلك من مكاسب أخرى تنعكس على نفسيته، وأخلاقه وسلوكه، وصحته فهل ندرك هذه الأشياء وتعمل بها؟!
 
الكاتب: د. عبدالرحمن الطريري
 
المصدر: صحيفة الاقتصادية